سهيل سالم: رؤية من الداخل
عندما نتأمل أعمال سهيل سالم المفقودة، سنعثر على مشاهد متنوعة جداً من الوجوه والطبيعة والجبال، وعلى سنوات مختلفة. لكن ما يجعلنا ندرك بصمته الخاصة، هو أنه يتنقل بين الفحم والحبر والزيت، ليدخلنا إلى تفاصيل جديدة كل مرة، تبدو معها أن لوحته تتحرك، وكأن لديه عدسة خاصة تبدو فيها الصورة في كل مرة مختلفة، لأنها قد تصور مشهداً واحداً بأكثر من أسلوب، ولأن الخطوط في لوحاته تعبر الأشياء لكي تأخذنا إلى روح الفنان التي نشاهدها وهي تلتقط الحزن والأمل والألم في الأشياء والوجوه.
وحين ننتقل من أعماله بالفحم (عام ٢٠١٧) إلى أعمال الحبر (عام ٢٠١٩ أو ٢٠٢٢)، ندرك أنها ليس فقط انتقالاً تقنياً. فبعد اختبار رؤيته التفصيلية والحسية للمشاهد، وحتى لو كانت طبيعة صامتة أحيانا، نجد أن الحبر في تلك التجربة يمنحه رؤية ميكروسكوبية للزوايا التي لا نراها عادة في اللوحات. وكأن مشاهدة العمل أيضا خبرة أخرى. لتصبح قراءة اللوحة هي قراءة مشاعرنا الداخلية، تماماً كما عبر الشاعر الأرجنتيني روبيرتو خواروث يوماً: علينا أن نجعل النص الذي نقرأه يقرأنا. وهكذا هي لوحة سهيل سالم، إنها تجعلنا حقيقة نتساءل: هل هذا كله موجود داخل هذه المشاهد والصور التي نراها كل يوم.؟ لكن اللوحة هنا ليست مرآة، لأننا عندما ننظر لا نرى أنفسنا، بل نرى داخلنا ربما. قد يصح أن نقول إن أعمال سهيل سالم هي مرآة داخلية تجعلنا نطل على الأرض كما تشعر، وعلى الوجوه كما تخبئ الكلام، والعيون وهي تعصر في كل المشاهد أحلامها.

سهيل سالم ، بلا عنوان ، ٢٠٢٠
لذلك سنصيغ سؤالاً خاصاً برؤية سهيل سالم الفنية وعلاقتها بالإبادة، لنقول: هل يحاول الفنان ربما أن يحفظ تلك المشاهد أو يوثقها؟ أم هو يوثق ما مرَّ عليها من شجون؟ بالطبع كان جواب غزة في شيفرتها الثقافية والفنية وهو مواجهة موت الأمل والحياة، وأن دُمر الوجود، فقد بقيت الأحاسيس في المكان نفسه. يقترب، هنا، سؤال الفنان من ملامسة الكلمات والصوت في اللوحة، والتي لا تقوى آلة الاستعمار على تدميرهما، لأنه وجود عميق الفكرة وبعيد في طرقات الروح.
وأما في أعماله الحديثة، فلا يختلف الامر، ففي مشهد حديث (عام 2022)، تبدو الأرض كومة مشاعر ملونة. إنها ليست جبالاً أو سطحاً ترابياً، بل كأنها وجه من ملامح كل الوجوه التي رسمها، ولذلك نرى أنها تقترب من التجريد والانطباعية، وهي حقيقة وجهته في اختيار مدرسته الخاصة، حيث يحرك ريشته أو قلم الحبر الخاص به مجاوراً لمشاعره والمشاعر المختبئة داخل الأرض والإنسان والأشياء، وتلك المشاعر هي الحياة التي تستحقها غزة بكل هذا الرقي والابداع والصمود.
لذلك فنحن في هذه الأعمال المدمرة أو المفقودة، قد نفقد حقاً خطوط سهيل المتحركة والصاخبة، قد نعود إلى هذا المكان لكي نتحسس الحبر، وكأنه سيدلنا إلى طرق سرية سنعثر عليها في أعماله الجديدة والقادمة، لكن بدون شك، سنعثر على صوت خفي، نعرف أنه ما زال موجوداً يسرد حكايا لا تغيب، وهذا الصوت لا يُقتَل، لتصبح مهمة اللوحة العثور على أصوات الأشخاص والطبيعة داخل طبقات من أحلامها وآلامها.
تغريد عبد العال
شاعرة وكاتبة فلسطينية تقيم في لبنان
نُشِر بتاريخ ١٩-٢-٢٠٢٥